كتاب النسوية وفلسفة العلمالمكتبة التجريبية

كتاب النسوية وفلسفة العلم

في مطالع ثمانينات القرن العشرين ظهرت فلسفة العلم النسوية في العالم الغربي وتتطورت حتى عصرنا هذا، وباتت من ملامح المشهد الفكري كتيار يُمثل إضافة حقيقية لفلسفة العلوم، ونظريات المعرفة العلمية (الإبستمولوجيا) والمنهج العلمي (الميثودولوجيا). جاءت فلسفة العلم النسوية لترفض التفسير الذكوري المطروح للعلم بنواتجه السلبية، وتحاول تفعيل مجالات وقيم مختلفة خاصة بالأنثى، جرى تهميشها بحكم السيطرة الذكورية، في حين أنها يجب أن يفسح لها المجال لتقوم بدور أكبر لإحداث توازن منشود في مسار الحضارة والفكر. وقبل أن نستكمل اسهامات النسوية، لنتعرف معًا عنها أولًا. ما هي النسوية؟ حركة سياسية تهدف إلى غايات اجتماعية، تتمثل في حقوق المرأة وإثبات ذاتها ودورها. فهي نشأت لتضم كل جهد عملي أونظري لتحدي ومواجهة ونقد النظام البطريركي (الأبوي) في المجتمع الغربي القائم على علاقات اجتماعية تكون فيها المرأة ذات وضع أدنى وخاضعة لصالح الرجل، وتفرض عليها قيود تمنع عنها إمكانيات النماء. ظهر مصطلح (النسوية-Feminism) في نهايات القرن التاسع تحديدًا عام 1895، إلا أن كانت للنسوية جذور منذ مراحل سحيقة من التاريخ الأنثروبولوجي العصر الأمومي، فكانت المرأة هي المؤسسة الاجتماعية، وتميزت بذلك الحضارة المصرية القديمة فشاركت المرأة في النشاط الاقتصادي والمشاغل العامة بل والحكم، فاقتصرت وراثة العرش في عصر ما قبل الأسرات على فرع الأمهات، حتى تم الاعتراف بحقهم في الحكم فتولت الملكة (مريت نيت) عرش مصر كأول امرأة في التاريخ تتولى الحكم، وحكمت مصر عشرين عامًا. أمّا إذا بحثنا في التاريخ الغربي البادىء من الإغريق، نجد أنه يقر بدونية المرأة، فأكد أرسطو على أن الأنوثة نقص وتشوه، وأن المرأة امرأة لأنها ينقصها أن تكون رجلًا، وبالتالي الرجل هو الأرقى ويجب أن يكون الحاكم، حتى أن العلم التجريبي حين اشتد ساعده إبان العصر الحديث انضم إلى تلك المسيرة الجائرة خصوصًا عن طريق البولوجيا وعلم النفس ومثال على ذلك علم الكرانيولوجي أي علم الجمجمة وقياس أحجامها، حيث أجريت أبحاث الذكاء والقدرات الذهنية على حجم المخ، واستنتجوا قلة معدل الذكاء عند النساء لصغر أحجام أدمغتهم. بشائر ظهور النسوية جاءت بشائر ظهور النسوية في المجتمع الغربي من متغيرات الواقع الأوروبي على مشارف القرن التاسع عشر، وسبقها أيضًا بعض الحركات النسوية على يد الكاتبة (ماري ولستونكرفت) في صدور كتاب باسم دفاعًا عن حقوق المرأة، وجاءت بنتها من بعدها لتأكد أن المرأة إذا تلقت التعليم نفسه الذي يتلقاه الرجل لكانت مساوية له. وانطلاقًا من الثورة الصناعية واكتشاف الماكينات ظهرت المرأة في المصنع كقوة عمل منافسة للرجل، إلا أنها كانت تحصل على راتب أقل، وشاركت في الثورة الفرنسية للمطالبة بالمساواة، مثلما شاركت المرأة المصرية في ثورة 1919 كعلامات بارزة في التاريخ النسوي. النسوية الليبرالية لم تكن الليبرالية في حد ذاتها فلسفة نسوية، فكانت آراء (جون لوك) الأرب الروحي لليبرالية تتوجه لخضوع المرأة لزوجها بأنه شيء مطلق لا علاقة له بالمتغيرات الاجتماعية، وسبقه في الرأي (جان جاك رسو) الذي أراد أن تكون المرأة بغيًا وراهبة في آن واحد وقلص دورها في الجنس والإنجاب، وبحث عن المساواة في عالم الذكور فقط. ولكن علينا الاعتراف أن نضج الليبرالية في القرن التاسع عشر فتح الأبواب للحركة النسوية بما فعلته من تقويض السلطة البطريركية، وظهر على إثرها الفيلسوف (جون ستيورات مل) ليكون بلا جدال أبرز رائد فلسفي للنسوية لصدوره كتاب (استبعاد النساء) الذي يمكن اعتباره مانفستو الحركة النسوية، ويُعد مل الليبرالي الوحيد الذي شرع في تطبيق مبادىء الليبرالية على النساء، ليطالب بحقوقهن في التعليم والمساواة أمام القانون. ولايمكن فصل مل عن زوجته هارييت تيلور مل النسوية التي طالبت بحق النساء في التصويت، فمثل الثنائي تطبيقًا لحقوق المرأة في تيار الليبرالية. النسوية الاشتراكية قامت الاشتراكية من أجل إعادة توزيع الثروة والسلطة في المجتع، والنضال من أجل المساوة والعدالة الاجتماعية. ولم يفتها التأكيد على أن أن قهر المرأة بؤس خلفته الرأسمالية، فكان الاشتراكي الفرنسي الرائد (شارل فورييه) أول من استخدم وضع النساء في المجتمع مقياسًا لتقدمه وتقدم المجتمع، وهذا ما طوره (ماركس) في مخطوطات عام 1884، حين أعلن أن تقويم مسألة تطور الإنسان ككل يتأتي من تقويم تطور علاقة المرأة بالرجل، واتبعه رفيقه (فريدريك إنجلز) في اعتبار النسوية موضوعًا رئيسيًا وأخرج في العام نفسه مؤلفه الثاقب (أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة)، وأيضًا المفكرة الماركسية (روزا لوكسمبورج) التي أكدت على تحرر النساء بالتطور الاقتصادي. الموجة النسوية الأولى كانت الحركة النسوية في منتصف القرن التاسع عشر على أشدها، ففي أمريكا عام 1848 عقد مؤتمر (سينيكا فولز) للمرأة وحضره 40 رجلًا و250 امرأة، وبذلك يُعد المؤتمر الأول للحقوق المرأة وظل يُعقد سنويًا حتى نشوب الحرب الأهلية عام 1861، وفي عام 1855 تأسس الاتحاد النسائي الوطني بأمريكا، وفي عام 1869 تأسست جمعية المرأة الأمريكية للحقوق السياسية ثم اندمجت مع الجمعية الوطنية الوطنية لحقوق المرأة عام 1890، ويعد ما بين 1880 و1910 أكثر مراحل النسوية توهجًا، واقتحمت النساء مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وأنشئت أول كلية للبنات في إنجلترا، وجرى اعتماد مصطلح النسوية وكانت (كلارا زاتكين) من أبرز نساء الحركة في تلك الأونة. واعتمد 8 مارس عيدًا عالميًا للمرأة. أمّا عن المشرق العربي، ففرضت النسوية وجودها خصوصًا في مصر وتونس والشام وعلا وطيس النقاش حول إصلاح حال المرأة، إلا أن المرأة العربية كانت تتمتع في ذلك الوقت بحقوق تجاهد من أجلها المرأة الغربية، مثل التصرف بأموالها وحقها في أولادها، ولا يمنع أنها كانت تعاني من أمور أخرى مثل الطلاق الجزافي، وتعدد الزوجات، وظهر في الشرق حركات مناهضة تطالب بحق المرأة في التعليم فألقى (بطرس البستاني) خطابه عن تعليم النساء وأخرج (رفاعة الطهطاوي) كتابه المرشد الأمين في تعليم البنين وأشار أن تعليم الفتاة أهم من تعليم الفتى، وافتتح الخديو (إسماعيل) المدرسة السنية لتعليم البنات، وبلغت النسوية ذروتها في كتابي (قاسم أمين) تحرير المرأة والمرأة الجديدة.
يمنى طريف الخولي - ❰ لها مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الطبيعيات فى علم الكلام من الماضى إلى المستقبل ❝ ❞ الإسلام والمواطنة الليبرالية ❝ ❞ فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية ❝ ❞ النسوية وفلسفة العلم ❝ ❞ ‎مفهوم المنهج العلمي ❝ الناشرين : ❞ مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ❝ ❞ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ❝ ❞ المؤسسة العربية للفكر والإبداع ❝ ❱
من الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.

وصف الكتاب : في مطالع ثمانينات القرن العشرين ظهرت فلسفة العلم النسوية في العالم الغربي وتتطورت حتى عصرنا هذا، وباتت من ملامح المشهد الفكري كتيار يُمثل إضافة حقيقية لفلسفة العلوم، ونظريات المعرفة العلمية (الإبستمولوجيا) والمنهج العلمي (الميثودولوجيا). جاءت فلسفة العلم النسوية لترفض التفسير الذكوري المطروح للعلم بنواتجه السلبية، وتحاول تفعيل مجالات وقيم مختلفة خاصة بالأنثى، جرى تهميشها بحكم السيطرة الذكورية، في حين أنها يجب أن يفسح لها المجال لتقوم بدور أكبر لإحداث توازن منشود في مسار الحضارة والفكر. وقبل أن نستكمل اسهامات النسوية، لنتعرف معًا عنها أولًا.

ما هي النسوية؟

حركة سياسية تهدف إلى غايات اجتماعية، تتمثل في حقوق المرأة وإثبات ذاتها ودورها. فهي نشأت لتضم كل جهد عملي أونظري لتحدي ومواجهة ونقد النظام البطريركي (الأبوي) في المجتمع الغربي القائم على علاقات اجتماعية تكون فيها المرأة ذات وضع أدنى وخاضعة لصالح الرجل، وتفرض عليها قيود تمنع عنها إمكانيات النماء.

ظهر مصطلح (النسوية-Feminism) في نهايات القرن التاسع تحديدًا عام 1895، إلا أن كانت للنسوية جذور منذ مراحل سحيقة من التاريخ الأنثروبولوجي العصر الأمومي، فكانت المرأة هي المؤسسة الاجتماعية، وتميزت بذلك الحضارة المصرية القديمة فشاركت المرأة في النشاط الاقتصادي والمشاغل العامة بل والحكم، فاقتصرت وراثة العرش في عصر ما قبل الأسرات على فرع الأمهات، حتى تم الاعتراف بحقهم في الحكم فتولت الملكة (مريت نيت) عرش مصر كأول امرأة في التاريخ تتولى الحكم، وحكمت مصر عشرين عامًا. أمّا إذا بحثنا في التاريخ الغربي البادىء من الإغريق، نجد أنه يقر بدونية المرأة، فأكد أرسطو على أن الأنوثة نقص وتشوه، وأن المرأة امرأة لأنها ينقصها أن تكون رجلًا، وبالتالي الرجل هو الأرقى ويجب أن يكون الحاكم، حتى أن العلم التجريبي حين اشتد ساعده إبان العصر الحديث انضم إلى تلك المسيرة الجائرة خصوصًا عن طريق البولوجيا وعلم النفس ومثال على ذلك علم الكرانيولوجي أي علم الجمجمة وقياس أحجامها، حيث أجريت أبحاث الذكاء والقدرات الذهنية على حجم المخ، واستنتجوا قلة معدل الذكاء عند النساء لصغر أحجام أدمغتهم.

بشائر ظهور النسوية

جاءت بشائر ظهور النسوية في المجتمع الغربي من متغيرات الواقع الأوروبي على مشارف القرن التاسع عشر، وسبقها أيضًا بعض الحركات النسوية على يد الكاتبة (ماري ولستونكرفت) في صدور كتاب باسم دفاعًا عن حقوق المرأة، وجاءت بنتها من بعدها لتأكد أن المرأة إذا تلقت التعليم نفسه الذي يتلقاه الرجل لكانت مساوية له. وانطلاقًا من الثورة الصناعية واكتشاف الماكينات ظهرت المرأة في المصنع كقوة عمل منافسة للرجل، إلا أنها كانت تحصل على راتب أقل، وشاركت في الثورة الفرنسية للمطالبة بالمساواة، مثلما شاركت المرأة المصرية في ثورة 1919 كعلامات بارزة في التاريخ النسوي.

النسوية الليبرالية

لم تكن الليبرالية في حد ذاتها فلسفة نسوية، فكانت آراء (جون لوك) الأرب الروحي لليبرالية تتوجه لخضوع المرأة لزوجها بأنه شيء مطلق لا علاقة له بالمتغيرات الاجتماعية، وسبقه في الرأي (جان جاك رسو) الذي أراد أن تكون المرأة بغيًا وراهبة في آن واحد وقلص دورها في الجنس والإنجاب، وبحث عن المساواة في عالم الذكور فقط. ولكن علينا الاعتراف أن نضج الليبرالية في القرن التاسع عشر فتح الأبواب للحركة النسوية بما فعلته من تقويض السلطة البطريركية، وظهر على إثرها الفيلسوف (جون ستيورات مل) ليكون بلا جدال أبرز رائد فلسفي للنسوية لصدوره كتاب (استبعاد النساء) الذي يمكن اعتباره مانفستو الحركة النسوية، ويُعد مل الليبرالي الوحيد الذي شرع في تطبيق مبادىء الليبرالية على النساء، ليطالب بحقوقهن في التعليم والمساواة أمام القانون. ولايمكن فصل مل عن زوجته هارييت تيلور مل النسوية التي طالبت بحق النساء في التصويت، فمثل الثنائي تطبيقًا لحقوق المرأة في تيار الليبرالية.

النسوية الاشتراكية

قامت الاشتراكية من أجل إعادة توزيع الثروة والسلطة في المجتع، والنضال من أجل المساوة والعدالة الاجتماعية. ولم يفتها التأكيد على أن أن قهر المرأة بؤس خلفته الرأسمالية، فكان الاشتراكي الفرنسي الرائد (شارل فورييه) أول من استخدم وضع النساء في المجتمع مقياسًا لتقدمه وتقدم المجتمع، وهذا ما طوره (ماركس) في مخطوطات عام 1884، حين أعلن أن تقويم مسألة تطور الإنسان ككل يتأتي من تقويم تطور علاقة المرأة بالرجل، واتبعه رفيقه (فريدريك إنجلز) في اعتبار النسوية موضوعًا رئيسيًا وأخرج في العام نفسه مؤلفه الثاقب (أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة)، وأيضًا المفكرة الماركسية (روزا لوكسمبورج) التي أكدت على تحرر النساء بالتطور الاقتصادي.

الموجة النسوية الأولى

كانت الحركة النسوية في منتصف القرن التاسع عشر على أشدها، ففي أمريكا عام 1848 عقد مؤتمر (سينيكا فولز) للمرأة وحضره 40 رجلًا و250 امرأة، وبذلك يُعد المؤتمر الأول للحقوق المرأة وظل يُعقد سنويًا حتى نشوب الحرب الأهلية عام 1861، وفي عام 1855 تأسس الاتحاد النسائي الوطني بأمريكا، وفي عام 1869 تأسست جمعية المرأة الأمريكية للحقوق السياسية ثم اندمجت مع الجمعية الوطنية الوطنية لحقوق المرأة عام 1890، ويعد ما بين 1880 و1910 أكثر مراحل النسوية توهجًا، واقتحمت النساء مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وأنشئت أول كلية للبنات في إنجلترا، وجرى اعتماد مصطلح النسوية وكانت (كلارا زاتكين) من أبرز نساء الحركة في تلك الأونة. واعتمد 8 مارس عيدًا عالميًا للمرأة.

أمّا عن المشرق العربي، ففرضت النسوية وجودها خصوصًا في مصر وتونس والشام وعلا وطيس النقاش حول إصلاح حال المرأة، إلا أن المرأة العربية كانت تتمتع في ذلك الوقت بحقوق تجاهد من أجلها المرأة الغربية، مثل التصرف بأموالها وحقها في أولادها، ولا يمنع أنها كانت تعاني من أمور أخرى مثل الطلاق الجزافي، وتعدد الزوجات، وظهر في الشرق حركات مناهضة تطالب بحق المرأة في التعليم فألقى (بطرس البستاني) خطابه عن تعليم النساء وأخرج (رفاعة الطهطاوي) كتابه المرشد الأمين في تعليم البنين وأشار أن تعليم الفتاة أهم من تعليم الفتى، وافتتح الخديو (إسماعيل) المدرسة السنية لتعليم البنات، وبلغت النسوية ذروتها في كتابي (قاسم أمين) تحرير المرأة والمرأة الجديدة.

للكاتب/المؤلف : يمنى طريف الخولي .
دار النشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة .
سنة النشر : 2017م / 1438هـ .
عدد مرات التحميل : 600 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الإثنين , 4 أبريل 2022م.

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

في مطالع ثمانينات القرن العشرين ظهرت فلسفة العلم النسوية في العالم الغربي وتتطورت حتى عصرنا هذا، وباتت من ملامح المشهد الفكري كتيار يُمثل إضافة حقيقية لفلسفة العلوم، ونظريات المعرفة العلمية (الإبستمولوجيا) والمنهج العلمي (الميثودولوجيا). جاءت فلسفة العلم النسوية لترفض التفسير الذكوري المطروح للعلم بنواتجه السلبية، وتحاول تفعيل مجالات وقيم مختلفة خاصة بالأنثى، جرى تهميشها بحكم السيطرة الذكورية، في حين أنها يجب أن يفسح لها المجال لتقوم بدور أكبر لإحداث توازن منشود في مسار الحضارة والفكر. وقبل أن نستكمل اسهامات النسوية، لنتعرف معًا عنها أولًا.

ما هي النسوية؟

حركة سياسية تهدف إلى غايات اجتماعية، تتمثل في حقوق المرأة وإثبات ذاتها ودورها. فهي نشأت لتضم كل جهد عملي أونظري لتحدي ومواجهة ونقد النظام البطريركي (الأبوي) في المجتمع الغربي القائم على علاقات اجتماعية تكون فيها المرأة ذات وضع أدنى وخاضعة لصالح الرجل، وتفرض عليها قيود تمنع عنها إمكانيات النماء.

ظهر مصطلح (النسوية-Feminism) في نهايات القرن التاسع تحديدًا عام 1895، إلا أن كانت للنسوية جذور منذ مراحل سحيقة من التاريخ الأنثروبولوجي العصر الأمومي، فكانت المرأة هي المؤسسة الاجتماعية، وتميزت بذلك الحضارة المصرية القديمة فشاركت المرأة في النشاط الاقتصادي والمشاغل العامة بل والحكم، فاقتصرت وراثة العرش في عصر ما قبل الأسرات على فرع الأمهات، حتى تم الاعتراف بحقهم في الحكم فتولت الملكة (مريت نيت) عرش مصر كأول امرأة في التاريخ تتولى الحكم، وحكمت مصر عشرين عامًا. أمّا إذا بحثنا في التاريخ الغربي البادىء من الإغريق، نجد أنه يقر بدونية المرأة، فأكد أرسطو على أن الأنوثة نقص وتشوه، وأن المرأة امرأة لأنها ينقصها أن تكون رجلًا، وبالتالي الرجل هو الأرقى ويجب أن يكون الحاكم، حتى أن العلم التجريبي حين اشتد ساعده إبان العصر الحديث انضم إلى تلك المسيرة الجائرة خصوصًا عن طريق البولوجيا وعلم النفس ومثال على ذلك علم الكرانيولوجي أي علم الجمجمة وقياس أحجامها، حيث أجريت أبحاث الذكاء والقدرات الذهنية على حجم المخ، واستنتجوا قلة معدل الذكاء عند النساء لصغر أحجام أدمغتهم.

بشائر ظهور النسوية

جاءت بشائر ظهور النسوية في المجتمع الغربي من متغيرات الواقع الأوروبي على مشارف القرن التاسع عشر، وسبقها أيضًا بعض الحركات النسوية على يد الكاتبة (ماري ولستونكرفت) في صدور كتاب باسم دفاعًا عن حقوق المرأة، وجاءت بنتها من بعدها لتأكد أن المرأة إذا تلقت التعليم نفسه الذي يتلقاه الرجل لكانت مساوية له. وانطلاقًا من الثورة الصناعية واكتشاف الماكينات ظهرت المرأة في المصنع كقوة عمل منافسة للرجل، إلا أنها كانت تحصل على راتب أقل، وشاركت في الثورة الفرنسية للمطالبة بالمساواة، مثلما شاركت المرأة المصرية في ثورة 1919 كعلامات بارزة في التاريخ النسوي.

النسوية الليبرالية

لم تكن الليبرالية في حد ذاتها فلسفة نسوية، فكانت آراء (جون لوك) الأرب الروحي لليبرالية تتوجه لخضوع المرأة لزوجها بأنه شيء مطلق لا علاقة له بالمتغيرات الاجتماعية، وسبقه في الرأي (جان جاك رسو) الذي أراد أن تكون المرأة بغيًا وراهبة في آن واحد وقلص دورها في الجنس والإنجاب، وبحث عن المساواة في عالم الذكور فقط. ولكن علينا الاعتراف أن نضج الليبرالية في القرن التاسع عشر فتح الأبواب للحركة النسوية بما فعلته من تقويض السلطة البطريركية، وظهر على إثرها الفيلسوف (جون ستيورات مل) ليكون بلا جدال أبرز رائد فلسفي للنسوية لصدوره كتاب (استبعاد النساء) الذي يمكن اعتباره مانفستو الحركة النسوية، ويُعد مل الليبرالي الوحيد الذي شرع في تطبيق مبادىء الليبرالية على النساء، ليطالب بحقوقهن في التعليم والمساواة أمام القانون. ولايمكن فصل مل عن زوجته هارييت تيلور مل النسوية التي طالبت بحق النساء في التصويت، فمثل الثنائي تطبيقًا لحقوق المرأة في تيار الليبرالية.

النسوية الاشتراكية

قامت الاشتراكية من أجل إعادة توزيع الثروة والسلطة في المجتع، والنضال من أجل المساوة والعدالة الاجتماعية. ولم يفتها التأكيد على أن أن قهر المرأة بؤس خلفته الرأسمالية، فكان الاشتراكي الفرنسي الرائد (شارل فورييه) أول من استخدم وضع النساء في المجتمع مقياسًا لتقدمه وتقدم المجتمع، وهذا ما طوره (ماركس) في مخطوطات عام 1884، حين أعلن أن تقويم مسألة تطور الإنسان ككل يتأتي من تقويم تطور علاقة المرأة بالرجل، واتبعه رفيقه (فريدريك إنجلز) في اعتبار النسوية موضوعًا رئيسيًا وأخرج في العام نفسه مؤلفه الثاقب (أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة)، وأيضًا المفكرة الماركسية (روزا لوكسمبورج) التي أكدت على تحرر النساء بالتطور الاقتصادي.

الموجة النسوية الأولى

كانت الحركة النسوية في منتصف القرن التاسع عشر على أشدها، ففي أمريكا عام 1848 عقد مؤتمر (سينيكا فولز) للمرأة وحضره 40 رجلًا و250 امرأة، وبذلك يُعد المؤتمر الأول للحقوق المرأة وظل يُعقد سنويًا حتى نشوب الحرب الأهلية عام 1861، وفي عام 1855 تأسس الاتحاد النسائي الوطني بأمريكا، وفي عام 1869 تأسست جمعية المرأة الأمريكية للحقوق السياسية ثم اندمجت مع الجمعية الوطنية الوطنية لحقوق المرأة عام 1890، ويعد ما بين 1880 و1910 أكثر مراحل النسوية توهجًا، واقتحمت النساء مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وأنشئت أول كلية للبنات في إنجلترا، وجرى اعتماد مصطلح النسوية وكانت (كلارا زاتكين) من أبرز نساء الحركة في تلك الأونة. واعتمد 8 مارس عيدًا عالميًا للمرأة.

أمّا عن المشرق العربي، ففرضت النسوية وجودها خصوصًا في مصر وتونس والشام وعلا وطيس النقاش حول إصلاح حال المرأة، إلا أن المرأة العربية كانت تتمتع في ذلك الوقت بحقوق تجاهد من أجلها المرأة الغربية، مثل التصرف بأموالها وحقها في أولادها، ولا يمنع أنها كانت تعاني من أمور أخرى مثل الطلاق الجزافي، وتعدد الزوجات، وظهر في الشرق حركات مناهضة تطالب بحق المرأة في التعليم فألقى (بطرس البستاني) خطابه عن تعليم النساء وأخرج (رفاعة الطهطاوي) كتابه المرشد الأمين في تعليم البنين وأشار أن تعليم الفتاة أهم من تعليم الفتى، وافتتح الخديو (إسماعيل) المدرسة السنية لتعليم البنات، وبلغت النسوية ذروتها في كتابي (قاسم أمين) تحرير المرأة والمرأة الجديدة.



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل النسوية وفلسفة العلم
يمنى طريف الخولي
يمنى طريف الخولي
Youmna Tarif El Khouli
❰ لها مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الطبيعيات فى علم الكلام من الماضى إلى المستقبل ❝ ❞ الإسلام والمواطنة الليبرالية ❝ ❞ فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية ❝ ❞ النسوية وفلسفة العلم ❝ ❞ ‎مفهوم المنهج العلمي ❝ الناشرين : ❞ مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ❝ ❞ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ❝ ❞ المؤسسة العربية للفكر والإبداع ❝ ❱.



كتب اخرى في الفكر والفلسفة

الوجودية منزع إنساني PDF

قراءة و تحميل كتاب الوجودية منزع إنساني PDF مجانا

السنن النفسية لتطور الأمم PDF

قراءة و تحميل كتاب السنن النفسية لتطور الأمم PDF مجانا

نظرية المعرفة PDF

قراءة و تحميل كتاب نظرية المعرفة PDF مجانا

تطور العقول: الطريق إلى فهم الوعي PDF

قراءة و تحميل كتاب تطور العقول: الطريق إلى فهم الوعي PDF مجانا

مغامرة الإسلام: الضمير والتاريخ في حضارة عالمية - العصر الكلاسيكي PDF

قراءة و تحميل كتاب مغامرة الإسلام: الضمير والتاريخ في حضارة عالمية - العصر الكلاسيكي PDF مجانا

نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي PDF

قراءة و تحميل كتاب نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي PDF مجانا

Faith rejecters: The emotional history of skepticism PDF

قراءة و تحميل كتاب Faith rejecters: The emotional history of skepticism PDF مجانا

Political Islam: More than Islamism PDF

قراءة و تحميل كتاب Political Islam: More than Islamism PDF مجانا

المزيد من الفكر والفلسفة في مكتبة الفكر والفلسفة , المزيد من النجاح وتطوير الذات في مكتبة النجاح وتطوير الذات , المزيد من مقارنة الأديان في مكتبة مقارنة الأديان , المزيد من السياسة في مكتبة السياسة , المزيد من علم النفس في مكتبة علم النفس , المزيد من الهندسة الشاملة في مكتبة الهندسة الشاملة , المزيد من محمد صلى الله عليه وسلم في مكتبة محمد صلى الله عليه وسلم , المزيد من أوراق المؤتمرات والملتقيات العلمية في مكتبة أوراق المؤتمرات والملتقيات العلمية , المزيد من غير مصنفة في مكتبة غير مصنفة
عرض كل المكتبة التجريبية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..